وزراء طالبان وسر نجاح أمة

في الوقت الذي تُغرق فيه الامتيازات الفارهة مسؤولين في دول كثيرة، تقدّم الحكومة الأفغانية الحالية نموذجًا نادرًا في التواضع ونكران الذات، عنوانه: “نحن هنا لخدمة الشعب، لا لحكمه”.
تواضع يبدأ من القمة
من القصص التي يصعب تصديقها في زمننا هذا، وزير دفاع أفغاني يتوجه إلى طبيب كأي مواطن عادي، يحجز موعدًا، وينتظر دوره بصبر ودون أي بروتوكول أو امتيازات.
مسؤول حكومي كبير يسكن غرفة طينية، يرفض تركيب مكيف رغم لدغات “الناموس” أزعجت راحته. أو وزير يحضر اجتماعًا للعلماء دون أن يُعرّف بنفسه أو يتفاخر بمنصبه، نماذج كهذه ليست نادرة في أفغانستان الجديدة.
وزير في الحكومة يستقل دراجته النارية عند عودته لبيته وعند قضاء أغراضه الشخصية، بينما يمكنه المناداة على السائق وحتى تجهيز موكب للأمن يحرسه.
الاسم يختاره الشخص.. واللقب حرية لا امتياز
هذه شهادة للدكتور حياة الله عتيد أحد الخبراء الأفغان وهو رجل أفغاني عاش ظروفا صعبة منذ الصغر في أفغانستان حتى حصوله على الدكتوراه خارج بلاده يؤكد أن الشعب الأفغاني الذي يقارب عدده 40 مليون نسمة، لا يعبأ كثيرًا بالألقاب الاجتماعية. في بيت واحد.
قد تجد خمسة إخوة يحمل كلٌّ منهم لقبًا مختلفًا، اختاره بنفسه من “مطيع الله تبسم” إلى “عتيد” و”زنداني”، في تجلٍّ لروح الحرية والفردانية التي يفتخر بها الأفغان، بعيدًا عن القيود العشائرية أو الطبقية.
لغة القلب.. ولغة القرآن
ويضيف عتيد أنه رغم تعدد اللغات في أفغانستان (أكثر من 20 لغة ولهجة)، فإن العربية تحتل مكانةً روحية عميقة في وجدان هذا الشعب، يتعلمها الأطفال في المساجد منذ الصغر، وتُدرّس بها أغلب الكتاتيب الدينية، تقديسًا للغة القرآن والنبي العربي صلى الله عليه وسلم، إنها ليست لغة تخاطب فحسب، بل هوية إيمانية تربط هذا الشعب بالأمة الإسلامية.
لا امتياز.. لا فساد
ربما يكمن سر النجاح الحالي لأفغانستان في هذا المبدأ البسيط “لا امتياز لأحد”، أحد الوزراء يعمل دون راتب، وآخر ينجز مهامه على دراجة نارية، فيما تُدار الاجتماعات دون بروتوكولات أو حراسات مدججة، هذه ليست دعاية، بل شهادات موثقة لأشخاص مثل الدكتور “حياة الله”، أحد أبناء هذا الشعب، الذي ذاق مرارة الحرب والفقر، ثم نهض بعلمه حتى نال الدكتوراه خارج وطنه، ليعود ويسهم في نهضة بلده.
إقرأ أيضا : بنت لفقيه
دروس للعالم
تثبت التجربة الأفغانية أن النزاهة ليست شعارًا، بل سلوكًا يوميًّا. وأن تواضع المسؤول ليس ضعفًا، بل قوة أخلاقية تبني الأوطان. فهل يمكن أن يتعلم الآخرون من هذا النموذج الفريد؟