مقالات الرائ

“حماس” أهلكت الحرث والنسل.. لماذا يُتَّهم من يرفع شعار “تازة قبل غزة” بالخيانة؟

محمد غازي*

تسببت هجمات السابع من أكتوبر من السنة الماضية، التي شنتها المقاومة الفلسطينية بقيادة (حماس) في الكثير من المآسي للشعب الفلسطيني إنْ في الضفة وبين أسوار القدس، أو في غزة، هاته الأخيرة التي كانت هدف إسرائيل الرئيس رغم أنها لم تستثن أحدا من الفلسطينيين مسنا كان أو طفلا، اجتاحت غزة ودمَّرت كل شيء صادف طريقها، شنت حرب إبادة شنيعة، باختصار شديد أهلكت الحرث والنسل.
وانتقد الخطوة العديد من السياسيين والقادة عجما وعربا، معتبرين أن المقاومة تورطت في معركة لا قبل لها بها وأنها غامرت بالشعب الفلسطيني وأوردته المهالك وسلكت به طريقا مجهولا.
الأصوات العربية منها تبرر موقفها بعدم تكافؤ القوة بين الفلسطينيين وإسرائيل وأن مواجهة الكيان الصهيوني عسكريا بما يملكه من ترسانة عسكرية لا يمكن مواجهته بصواريخ وأدوات بدائية بسيطة، فيما يسوقون للتطبيع مع الكيان الصهيوني ويشجعون على إقامة علاقات شاملة وكاملة بغض النظر عن كونه دولة احتلال اغتصب أرضا واستعبد شعبا.
وبعض هذه النخب يرى أن هجوم الحادي عشر من أكتوبر المشار إليه، حطم المشروع الإبراهيمي أو تعايش الأديان والتسامح الذي بدأ يعرف طريقه نحن بلدان المنطقة التي بدأ حكامها يسارعون الخطى من أجل التطبيع لتحقيق حلم التعايش الديني.
أما بعض نخبنا المغربية فعملت على ترويج شعار “تازة قبل غزة”، وإيجاد ما يدعم شعارها تحت مبرر إعطاء الأولوية لمشاكلنا الداخلية وقضايانا الوطنية عوض الاهتمام بقضايا لن تعود على المغرب بمنافع اقتصادية أو سياسة، أمام تغول الولايات المتحدة وهيمنتها على القرار الدولي ودعمها اللامحدود للكيان المحتل، وقبول حركة فتح بمخرجات “أوسلو” ويقولون: ” ما شأننا بفلسطين، فهذه قضيتهم في الشرق ونحن ليس عندنا مشكل مع الإسرائيليين”.
ومع أن هؤلاء يرون ما يتحمله المغرب من تكلفة قاسية بسبب محاولة جهات خارجية النيل من وحدته الترابية والعمل على دعم محاولات التفتيت والتقطيع، علما أن التجانس في المواقف يفرض على المغرب وهو ما هو حاصل فعليا شعبيا ورسميا دعم وحدة الأوطان ودعم حركات الاستقلال إن كان يريد أن يحصل على دعم الأحرار في العالم، إلا أن هؤلاء يتغاضون عن هذا كله ويروجون لأطروحة الكيان الوافد.
وهذه المناسبة لا بد من الإشارة إلى أن الضعف والعجز يساعد على اتخاذ قرارات فيها الكثير من الانبطاح والخضوع ليس فقط بالنسبة للدول، بل حتى على مستوى الأفراد داخل المجتمع الأصغر كذلك، سواء كان قبيلة أو أسرة، فالأكبر القوي يبسط رأيه على الآخرين، فما بالك إن كان (هذا الأكبر) شرها وشرسا يفتقد لأخلاق المجتمع مما يحوله إلى كائن مفترس.
قد يكون هذا هو حال المغرب كدولة أمام الدول العظمى التي تبسط سيطرتها على البقية من أجل مصالحها وأهدافها الاستراتيجية، دون أن تأخذ بعين الاعتبار المصالح الوطنية للدول وتحولها بالتالي لمجرد فروع لشركاتها (المتعددة الجنسيات)، ويمكنك أن تسقط هذه الوصفة على الأفراد أيضا فقد علمنا التاريخ أن الكثير من العناصر باعوا أوطانهم وأنفسهم وعاشوا كخونة بين أبنائهم وكمجرد وشاة وعملاء فكان مصيرهم المشنقة حين انكسر المحتل وخرج من الديار.
لماذا نطلب من المعتدى عليه التطبيع مع جلاده؟
في فلسطين أولا وقبل هجوم الحادي عشر من أكتوبر الذي نفذته المقاومة ومنذ اتفاق (أوسلو)، لم تتوقف الدولة المعلومة عن قتل وسجن وملاحقة الفلسطينيين ولم تتوقف عن بناء المستوطنات داخل رام الله نفسها وبناء الجدار العازل ومنع دخول المساعدات لغزة، لقد تركتهم كأسود مدجنة بلا أسنان أو أظافر.
فالمقاومة في الداخل وفي القدس وفي الضفة الغربية وفي قطاع غزة لا تعرف إلا غزاة محتلين، قضيتهم ليست قضية عداوة لليهود واليهودية كديانة، ولكن قضيتهم مقاومة الاحتلال الصهيوني الذي يستغل اليهودية في إيديولوجية الصهيونية.
وبالنسبة للمغرب لم يجن لحد اللحظة أي فائدة سياسية أو اقتصادية ولا زال يستجدي مساعدة الكيان الي يحسن التلاعب بقضيتنا الوطنية دون أن نرى تطورا إيجابيا ملموسا، وبالنسبة للاقتصاد الوطني فالتقارير لم تعد تخفي استياء المستثمرين المغاربة لفائدة التموضع الصهيوني داخل قطاعات حيوية وتمكنهم من إضعاف الفلاح المحلي.
اتحاد في وجه الأعداء: إنما أكلت يوم أكل الثور الأبيض
قصة الثلاثة ثيران أشهر من (إسرائيل) نفسها في التراث العربي، حيث ما لبثَ الأسد أنْ عاد بعد أيَّام من افتراسه الثورين الأبيض والأحمر بعد أن عمل على التفريق بينهم هم الثلاثة وفي عَينيه نظرة فَهمها الثورُ الأسوَد جيِّدًا، فأدْرَك أنَّه لاحِقٌ بصاحِبَيه، بسماحِهِ للأسَد بأكْلِ صاحبه الأول، فقد وضَع نفسَه في القائمة بعده دون أنْ يدري فصاحَ: لقد أُكِلتُ يومَ أُكِل الثورُ الأبيض.

إقرأ أيضا: المغرب والاعتراف بجمهورية القبائل
ومَغْزى هذا الْمَثَل بيِّنٌ، فمتى ضَحَّينا بأحدٍ؛ لننالَ مكانه أو ما كان يناله، فقد حَكَمْنا على أنفسنا بنفس مصيره، ووضعْنا أنفسنا بعده في القائمة.
فعمق المغرب التاريخي والحضاري في عروبته وإسلامه وإفريقيته، ولن يناله من إسرائيل إلا ما نله عبر عقود من فرنسا على سبيل المثال التي لا تزال تنهش لحمه وتأكل خيراته.
مواساة وتطييب خاطر
لهذا، فقضية فلسطين ومسألة غزة حاضرة في وجدان المغاربة للاعتبارات الدينية أولا ثم الإنسانية والتاريخية حيث يربط المغاربة بفلسطين تاريخ عميق من الأحداث منذ أن شارك جيش الموحدين في عهد يعقوب المنصور بأسطول بحري كبير إلى جانب صلاح الدين الأيوبي في تحرير القدس، وقد كان له الأثر البالغ في توطين أعداد كبيرة من العائلات المغربية في القدس وفلسطين والتي لا زالت تخلد الحدث إلى اليوم.

إقرأ أيضا : 40 ألفا يؤدون صلاة عيد الأضحى بالأقصى رغم القيود الإسرائيل
والخلاصة إن استخدام لفظة التعايش والتسامح أو شعار تازة قبل غزة لتبرير التطبيع مع الصهيونية والكيان الصهيوني إسهام في تزييف الوعي وقلب للحقائق ودعم لكيان غاصب ظالم وقبول بحكم جائر وانزلاق إلى الهاوية.
ونحن مدعوون اليوم:
• نصرة المظلوم أيا كانت المسافة -التي تفصل التراب المغربي عنه- الدينية واللغوية والثقافية والوطنية.
• المحافظة على الاستقلال الوطني في كل المجالات وكسب دعم الأحرار.
• الانسجام مع مبادئ المملكة في دعم الأحرار وحركات التحرر.
• الحفاظ على البعد الديني والجغرافي.

فقد أكلت يوم أكل الثور الأبيض.

*محمد غازي : مستشار إعلامي,صحفي مغربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock