
أسعد حمان
دعونا نتفق ابتداء أن مهنة الطب هي ذات طبيعة خاصة ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن تكون موضوع مآرب سياسية أو تجارية خصوصا ونحن نتحدث عن جسم الانسان و سلامته الذي يحظى تجاوزا “بالقداسة” دينيا وكونيا..
إن الصراع بين هذه الفئة المهنية (الأطباء) وبين الدولة قديم/ جديد تجسد أساسا في منح الدولة الاعتماد للقطاع الخاص لكي يستثمر في التكوين الطبي، ثم محاولة جعله مساويا مع القطاع العام في الولوج للتكوينات والوظائف العمومية ذات الصلة بالقطاع الصحي، وآخرها محاولة الدولة فرض الخدمة المدنية للطلبة باعتبارهم يؤدون خدمة اجتماعية ولو كانوا سيلجون بعد ذلك للقطاع الخاص.
لما عمِد المغرب إلى فتح ورش الحماية الاجتماعية والذي يُعتبر قطاع الصحة أكبر محاوره، انطلق من مُسلّمة مفادها أن الولوج للعلاجات يجب أن يكون مُنصفا بين كل المواطنين بغض النظر عن دخلهم ومكانتهم الاجتماعية، ويتعين تبعا لذلك أن تتظافر جهود القطاعين العام والخاص لتحقيق تلك الغاية. وهنا قد يتساءل القارئ الكريم: كيف للقطاع الخاص أن يساهم في صيانة الصحة العمومية وهو الذي يقوم على أساس مفاهيم اقتصادية كالاستثمار والربح؟ إن الطب لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون موضوع عمل تجاري وبالتالي لا يكون الاستثمار فيه إلا وسيلة وليست غاية؛ بمعنى يتعين على المستثمر فيه أن يتقيد بالقانون المؤطر للميدان الصحي والذي يضع مصلحة المريض في مرتبة أعلى من هاجس الربح.
بهذه المنطلقات التي بسطتُها سعت الدولة بما تملك من مشروعية إلى اتخاذ إجراء من شأنه الحد من هجرة الأطباء وضمان موارد بشرية تغطي الحاجات العامة للمواطنين. أما شرعية الدولة هنا فتتمثل في الدور المنوط بيها في ضمان الحق في الصحة للجميع. وهنا تكمن المشكلة المطروحة في الساحة؛ فإذا كان من حق طالب الطب أن يسعى للترقي المهني بالبحث عن عروض بالخارج أو إنشاء مشروع خاص بالمغرب، فمن حق الدولة التي ترعى حق المواطن في الصحة أن تحد من حريته لتضمن الموارد البشرية الكفيلة بتحقيق وظيفتها. لكن تصير شرعية الدولة مخدوشة عندما يكون قرارها حكرا على الجامعات الحكومية دون الجامعات الخاصة التي لا يلج لها إلا من يتوفر على مواردة مالية مهمة جدا، إذ لم تتخذ السلطات العامة أي إجراء يلزم القطاع الخاص بالمساهمة في تغطية النقص الحاصل في القطاع العمومي خصوصا وأن الدولة تعهدت بمقتضى القانون الاطار المتعلق بالمنظومة الصحية أن تجعل من الصحة العمومية التزاما مُلقى على القطاع الخاص إلى جانب الدولة.
فتكون بذلك المُحصلة كالاتي: يمكن لطالب الطب في الجامعات الخاصة الحصول على تكوين يمكِّنه -قانونا- من الولوج إلى عروض خارج الوطن وبالتبع تحقيق تراكم مهني يؤهله مستقبلا بناء مشروع شخصي بالوطن يضمن له مستوى راقي من الناحية الاجتماعية وذلك في أقل وقت ممكن . أما طلبة الطب في الجامعات العمومية فيتعين عليهم تحقيق طموحاتهم الاجتماعية في الوطن قصرا وباسم الصالح العام ولو تطلب الأمر وقتا أطول. وبالتالي سنكون أمام صنفين من الاطباء؛ صنف يؤدي الخدمة العامة ولو على حساب طموحاته الشخصية (عطّاش)، وصنف له كامل الحرية في مراكمة مسيرته المهنية بكل أريحية (العيادات الخاصة، العمل بالخارج. . .) لمجرد أنه يملك الموارد المالية الكافية.



