إعفاء “الحريديم” من الخدمة العسكرية يعكس صراعا عميقا بين العلمانية والتديّن في إسرائيل

إسرائيل- صادق البرلمان الإسرائيلي (الكنيست) الليلة الماضية على مشروع قانون يقنن إعفاء اليهود الأرثوذكس (الحريديم) من الخدمة العسكرية، رغم حاجة جيش الاحتلال للجنود في الحرب الجارية على غزة ومع حزب الله.

وتمت المصادقة على مشروع القانون بأغلبية 63 صوتًا مقابل 57 معارضة، حيث انضم وزير الأمن يوآف غالانت للمعارضة، مبررًا موقفه بعدم دعمه لتكريس عدم المساواة في تحمل الأعباء بين الإسرائيليين. ووصفه رئيس طاقم الموظفين في ديوان رئاسة الوزراء الإسرائيلية بـ”الوقح” ودعا لإقالته.

يعفي مشروع القانون هذا “الحريديم” إلى حد كبير من الخدمة العسكرية، بناءً على مزاعمهم بأن دراسة التوراة هي مهمتهم الأولى، مكتفيًا بتجنيد عدد قليل منهم لفترة أقل من الخدمة المعتادة التي تمتد ثلاث سنوات.

يشار إلى أن نص مشروع القانون كان قد طُرح من قبل المعارضة الحالية عندما كانت في الحكم قبل عامين (حكومة التغيير برئاسة بينيت ولبيد)، لكن المعارضة السابقة برئاسة نتنياهو والحريديم أنفسهم عارضوه.

الآن، طرح ائتلاف نتنياهو نص القانون نفسه في مناورة لقطع الطريق على المعارضة، ودعاها للتصويت عليه باعتباره مشروعها في الأصل. لكن المعارضة بررت رفضها بالقول إن الحرب غيرت الأوضاع وأظهرت حاجة الجيش الملحة للمزيد من الجنود على جبهتي غزة وجنوب لبنان.

من الناحية الإجرائية، سينتقل مشروع القانون بعد المصادقة عليه إلى لجنة الخارجية والأمن برئاسة النائب يولي أدليشتاين (الليكود)، الذي أبدى تحفظه من نص القانون وألمح إلى ضرورة تعديله لتلبية احتياجات الجيش. ويتوقع أن يثير الموضوع المزيد من السجالات والخلافات خلال تحضير اللجنة للمشروع للتصويت عليه بالقراءتين الثانية والثالثة.

شنت المعارضة حملة شعواء على الحكومة قبيل وبعد المصادقة على مشروع القانون بالقراءة الأولية. فقال رئيسها يائير لبيد إنه في ذروة يوم قتال صعب في غزة. تمت المصادقة على مشروع قانون التهرب من الخدمة العسكرية. وأشار إلى ما قاله موشيه غفني، رئيس حزب “يهودت هتوراة”، قبل عامين واصفًا القانون بأنه “بائس وحقير ومعادٍ لليهودية والتوراة”.

وانضم إلى الحملة رئيس حزب “إسرائيل بيتنا” أفيغدور ليبرمان، متهماً الحكومة بخلط الحسابات من أجل البقاء في الحكم. وتساءل عن سبب عدم مشاركة الحريديم في الدفاع عن الوطن. كما انتقد بيني غانتس، رئيس “الحزب الدولاني”، الائتلاف قائلاً إن الوقت ليس متأخراً لتعديل القانون بما يلبي احتياجات الأمن والمجتمع.

الحريديم

يشار إلى أن اليهود الأرثوذكس (الحريديم) يشكلون 13% من سكان إسرائيل. وهم منذ قيام الدولة بعد نكبة فلسطين عام 1948 لا يؤدون الخدمة العسكرية، مكرسين أنفسهم لتعلم التوراة. ويزعمون أن التوراة أهم من السلاح في الدفاع عن اليهود، وهو ما تستخف به بقية الإسرائيليين، خاصة العلمانيين.

يستغل الحريديم الصراع بين اليمين واليسار الصهيونيين للانضمام إلى ائتلاف هذا أو ذاك. بشرط مواصلة إعفائهم من التجنيد ودعم مدارسهم الدينية بميزانيات كبيرة، ما يعتبره الكثير من الإسرائيليين ابتزازًا قبيحًا.

الخلاف حول هذه القضية يتجاوز الخدمة العسكرية بمعناها المباشر ليصل إلى مسألة المساواة في تحمل الأعباء. تزداد حدة الخلاف بسبب الحاجة الملحة للجيش للمزيد من الجنود في ظل الحرب. واستمرار مقتل جنود جدد، كما حدث في رفح أمس، حيث أعلنت إسرائيل مقتل أربعة جنود وإصابة 11 آخرين في انفجار عمارة مفخخة.

يزداد حساسية الموضوع بسبب أن “الحريديم” أصبحوا كتلة سكانية كبيرة نتيجة الزيادة الطبيعية العالية. ولا يعملون لتفرغهم لدراسة التوراة، ولا يتعلمون العلوم واللغات الأجنبية. وبعض أوساطهم تحرّم استخدام الهواتف المحمولة الذكية رفضًا للحداثة.

عدم مشاركة الحريديم في الخدمة العسكرية والتعليم والعمل يزيد من أعباء الجيش والاقتصاد، ويعمق الانقسام في المجتمع الإسرائيلي. هذه الاختلافات قد تؤدي إلى انقسام حقيقي وإقامة مجتمعين إسرائيليين مختلفين، خاصة أن الحريديم يقيمون في مجمعات سكنية خاصة بهم.

انعكس هذا الاختلاف في السجالات الساخنة بالشارع الإسرائيلي خلال العام المنصرم 2023، ومن المتوقع أن يتصاعد بعد انتهاء الحرب. وهناك جهات تحذر من أن هذه القضية الحساسة تساهم في دفع إسرائيليين للبحث عن بيت خارج البلاد. حيث استقر عشرات الآلاف في اليونان وقبرص منذ بدء الحرب. وكشف تحقيق لصحيفة “هآرتس” أن مجموعات منهم بدأت تهاجر إلى تايلاند.

إقرأ أيضا : https://attalitaplus.ma/?p=2365

تابعنا على منصة فايسبوك : https://www.facebook.com/Attalitaplus

Exit mobile version