طائفية مبطنة

عبد الصمد بنعباد

تحملت غزة على امتداد 8 أشهر، جهدا حربيا عجزت عن تحمله 22 دولة عربية مجتمعة في حربين متتاليتين، ثم يأتي المثقف الطائفي ليخبرنا أن احتراق الأحراش الجافة في صيف شمال فلسطين حدث غير مسبوق في علوم العسكرية وحروب المقاومة!

طائفي لأنه يقفز على واقع غزة، التي ذاقت الجوع والحصار والحرمان لـ 18 سنة، مطار مدمر، ميناء مغلق، ومعبر رفح الذي يربطها بالعالم العربي تحول في أغلب أوقاته إلى بوابة سجن مغلقة أكثر منها مفتوحة، ممنوع دخول أي شيء بما في ذلك الدواء إلا بإذن العدو.

طائفي لأنه أغلق عينيه وعقله وقلبه عن 8 أشهر من الإبادة، تدمير كل معاني الحياة في الجملة والتبسيط، من إحراق الأطفال وسط المخيم، إلى قطع الكهرباء عن الأجنة في الحضانات، إلى قنص الأطباء، وقصف المخابز، وتدمير صهاريج الماء.. وما قابلها من بأس على الأرض.

طائفي لأنه اعتبر حرق الأحراش في الصيف إعجازا حربيا، في حين ينكر أسر الجنود بعد 8 أشهر من الحرب، وقنص جنديين برصاصة واحدة، ومجابهة الدبابة الأكثر تطورا في العالم بقاذف من الحرب العالمية، أو قنبلة يزرعها حافي القدمين تحتها، أو يلصقها على جنبها، دون أن يملك حذاء أو درون توفر له الرقابة أثناء تنفيذ مهمته، التي عليه تنفيذها بنجاح في أقل من 10 ثوان، وإلا صار خبرا.

طائفيون لأنهم يتجاهلون إجماع المنشغلين بعلوم الحرب والعسكرية والمقاومة أن هدنة نونبر، وبعد 30 يوما من المواجهات البرية على الأرض فقط، كشفت هزيمة العدو وانتصار غزة، ولم يكن الأمر يحتاج الوصول إلى شهر ماي ليرفع حزب الله وتيرة عملياته، ويرفع الطائفيون أصواتهم للدعاية.

هؤلاء الطائفيون يجهلون قصدا، أن بطل إحراق الأحراش، مارس حقه العقلاني في عدم التورط في الحرب من بدايتها، وأنه بعد قراءة عقلانية لمآل العمليات العسكرية في غزة، وشهادة العالم بهزيمة العدو، ويقينه العقلاني بأن غزة غلبت، قرر لأسباب عقلانية رفع وتيرة جهده الحربي، لإيمانه أن ردع العدو انتهى وإلى الأبد.

طائفيون، لأنهم يمررون مصورات ملغومة تظهر “الأقل من الواجب” من طرف الأحزاب الشيعية الموالية لإيران على أنه “فضل وزيادة”.

طائفيون حتى في تفضيلهم لفعل شيعة فارس على زيدية اليمن، يهللون لإحراق الأحراش، ويتجاهلون قطع شريان التجارة بين آسيا وأوروبا وما بينهما، والحرب المفتوحة على الأساطيل البحرية الداعمة لإسرائيل في جرائمها ضد غزة، كان آخر فعالها قصف المدمرة وحاملة الطائرات آيزنهاور.

لا يمكن من باب رفض الطائفية إنكار ما قام به الحوتي، وإيران وحزب الله، فكل رصاصة تستهدف العدو لها اعتبار ومكانة مقدرة، لكن إحراق الأحراش في الصيف لا يقارن مع 8 أشهر من تدمير قوة ردع العدو، وزرع الخوف في ضباطه، وإعطاب آلياته، وفضح عوار تقدمه التكنولوجي.

Exit mobile version