مقالات الرائ

بنت لفقيه

“الفقيه” في كل حي وزقاق مغربي في كل قرية او مدينة لقب مقرون بالاحترام والتبجيل والتوقير ، فهو ملاذ المجتمع في التوجيه الشرعي والتربوي والمشورة ذات الصلة بترسيخ مفاهيم الاسلام المبنية على الرحمة والإحسان،وكل مكارم الأخلاق بوسطية واعتدال ، وصون الشباب من الوقوع في براثين الانحراف والمخدرات والجهل والتطرف ، ولأنه حامل لكتاب الله فالناس يقصدونه في اصلاح ذات البين ، ويلتمسون دعاءه في أفراحهم وأتراحهم، ويستعينون بكلمته المسموعة وشفاعته ليسعى في فك كرباتهم،

هذه الشخصية الاجتماعية المحورية حري بوسائل الإعلام أن ترسخ عنها هذه الصورة الإيجابية التي تتمتع بها والرفع من مكانتها وتدافع عن الارتقاء بوضعيتها لتكون نموذجا للاحتداء والاقتداء ، ولتقوم بأدوارها الدينية والاجتماعية وفاء للتقاليد المغربية الأصيلة والعريقة المرعية ،

وخلافا لهذا المنتظر المأمول توفر الخرينة العمومية الدعم المالي من جيوب المغاربة لشريط سينمائي، هدفه الأساس تشويه وتسفيه صورة الفقيه في المخيال الشعبي وإبرازه بصورة الشخصية المتطرفة المتزمتة المتخلفة عن الركب ، الكارهة للفن ، الأب الذي يقف في وجه طموح أبنائه للحرية والانعتاق من التقاليد البالية ، يفتقد كل وسائل الحوار والإقناع الى حد حمل السلاح !! ،

شريط يحكي قصة فتاة تطمح أن تسلك طريق “الفن” لكنها تصطدم برفض أبيها الذي لم يكن سوى” الفقيه ” الذي يحرمها من رغبتها، وتخاصرها التقاليد والاعراف الدائرة في محيطه، ومن هنا تنطلق معاناتها وسعيها نحو الانعتاق، بما يتضمن الفيلم من مشاهد التنقيص من صورة الاب عموما داخل الأسرة الذي يخلق التوتر بين أفرادها كل ما حل بالبيت ، مع تيمات رمزية مرافقة لا تقل خطورة “كخلع الحجاب” و”البيئة المحافظة” وربط الفقه بالعنف وحمل السلاح، ووضع كل ذلك في سياق البداوة والمناطق المعزولة بعيدا عن صور الحضارة والحياة ، مع سعي كاتب السيناريو والمخرج إلى خلق جو من التعاطف مع الفتاة التي فرت من جبة الفقيه ومحيطه إلى المدينة ” لممارسة الفن ” انعتاقا من تزمت هذا “الأب الفقيه” الذي تجاوزه الزمن ؛

“بنت لفقيه ” في الواقع الذي نعرفه لمن أراد الاشتغال على الواقعية الدرامية هي فتاة تشكو من شظف العيش محرومة كعدد من فتيات البادية من التعليم ، محرومة من الولوج إلى الصحة ، محرومة من أن تحقق طموحها في مهنة شريفة تجابه بها صعوبات الحياة ، بنت لفقيه هي أحيانا أخرى حين تكون فلتة من هذا الواقع الصعب هي تلك الفتاة التي واجهت كل تلكم الظروف فتعلمت ودرست بتضحية أبيها الفقيه فكانت منها المحامية والطبيبة والاستاذة والإعلامية والعالمة البارزة ، مع الوفاء لأسرتها والاعتزاز بتربيتها المحافظة دون أن تتنكر لبيئتها وثقافتها وأصالتها .
كل هذه الموضوعات لم تجد لها نصيبا في الدراما السينيمائية، وفي المخيال الضيق والموجه لعدد من كتاب السيناريو والمخرجين.

تبشرنا القناة الأولى العمومية في وصلات إشهارية متتالية تمطر بها المشاهدين بمناسبة وبغير مناسبة أن هذا الشريط الذي يدخل ضمن خانة ما يسمى ” بتكسير الطابوهات” سيكون في القاعات السينماىية خلال هذا التوقيت الذي نستقبل فيه الشهر الفضيل الذي يقف فيه ملايين المغاربة وراء عشرات الآلاف من الفقهاء المبجلين في صلاة التراويح في كل ربوع المملكة وكل ربوع العالم الاسلامي ، والذين ليسوا في نظر القائمين على هذا العمل السينمائي الممول من جيوب المغاربة سوى جمهرة من المتزمتين، الكارهين “للفن” ولكل ما هو جميل ،
ألا فاتقوا دعوة الفقيه المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب ،
الله يهدينا وخلاص،

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock