مقالات الرائ

النكبة الفلسطينية: 77 عامًا من التهجير والمجازر… جرح مستمر ودروس تربوية للأجيال

المقدمة:

لا ينكر اليوم أحدٌ، أن الهجمة الغربية على العالم الإسلامي بدأت من أول خسارة تمثلت في إسقاط الخلافة الإسلامية في شخص السلطان عبد الحميد الثاني وانتهاء بالسيطرة على بيت المقدس الذي يعتبر نقطة الارتكاز والتحكم في قلب الأمة الإسلامية.

وأخيرا السيطرة على حكام الطوائف ورؤساء الرقع الجغرافية التي خططها الاحتلال الفرنسي والبريطاني والإيطالي وغيرهم، الذين جعلوا من قضية فلسطين تجارة يحققون بها مطامعهم إلى جانب ظهور أفرادٍ وجهاتٍ تنبثُ بيننا وترفع رايتنا، يتبنون أفكار الأعداء أو يُلبسون الوطنية لَبُوس القدسية ينزعونَهُ عن كل متحدث عن غزة ويخونون كل معبر عن تضامنه مع المسلمين في فلسطين، فلا يجوز الحديث عن القدس أو غزة وإلا فأنت موصوف بأبشع تهم الخيانة للوطن والتنكر للمقدسات الوطنية وكأن الوطن صنما وجبت عبادته.

الكارثة والنكبة باختصار شديد والتي حلّت بالمسلمين في فلسطين سنة 1948، وتمثلت في تهجير الناس من أرضهم وقيام دولة الاحتلال على أنقاض وطنهم بعد انتصارها على الجيوش العربية مجتمعة، حيث جرى الإعلان عن قيام ما يُعرف بـ “إسرائيل” على أراضي فلسطينية، تلا ذلك حربٌ بين القوات الصهيونية والجيوش العربية، تمكنت خلالها القوات الصهيونية من السيطرة على معظم الأراضي الفلسطينية مما أدى إلى تشتت الفلسطينيين وتعرضوا لتهجير جماعي واضطهاد من قبل القوات الصهيونية التي كانت تسعى إلى إنشاء “دولة إسرائيل”، تسبب هذا الحدث في استشهاد وتشريد الآلاف من الفلسطينيين ومقتل آلاف الفلسطينيين بما في ذلك النساء والأطفال، وتجزئة الأراضي الفلسطينية وظهور قضية اللاجئين الفلسطينيين، وفقدان الوحدة بين الفلسطينيين في الداخل وفي الشتات.

وعلى الرغم من أن السياسيين اختاروا 1948/5/15 لتأريخ بداية النكبة الفلسطينية، إلا أن المأساة الإنسانية بدأت قبل ذلك عندما هاجمت عصابات صهيونية إرهابية قرىً وبلدات ومدن فلسطينية بهدف إبادتها أو دب الذعر في سكان المناطق المجاورة بهدف تسهيل تهجير سكانها لاحقاً.

ولا بد من الإشارة إلى أهمية الحديث عن النكبة في الوسط التربوي: لأنها ليست فقط قضية سياسية، بل تجربة إنسانية وتاريخية تؤثر في تشكيل الوعي والقيم لدى الأجيال.

*كم نكبة عرفها تاريخ المسلمين في تاريخنا المعاصر؟

فالهزيمة التي حاقت بالجيوش العربية في 1967، وفقدوا فيها ما بين القنطرة والقنيطرة وأصبح المسجد الأقصى في قبضة إسرائيل، كانت إحدى النكبات والكوارث الكبرى في تاريخ الأمة.. لا يشوبها إلا نكبة التتار حين دخلوا بغداد فدمروا الحضارة الإسلامية وأسقطوا الخلافة العباسية، وخربوا من الدور وأتلفوا من الكتب، وذبحوا من البشر، ما لم يكد يحدث مثله في التاريخ.

إلا ما يحدث في غزة اليوم، حيث يفخر الصهيوني بكل وقاحة أنهم يقتلون في اليوم الواحد أزيد من المئة فلسطيني ولا يتحرك للعالم جفن،،

والحقيقة أن خلاصة هذه المقدمة أننا نعيش منذ سقوط عبد الحميد الثاني فصولا من النكبات المتتالية لا تكاد تنتهي واحدة حتى نعيش أطوار نكبة أخرى..

ولئن كان مصطلح “النكبة” أطلقه الفلسطينيون، تعبيرا عن المأساة الإنسانية المتعلقة بتشريد عدد كبير من الشعب الفلسطيني خارج دياره خلال الحرب الإسرائيلية – العربية عام 1948. أدت الحرب الى نزوح داخلي واسع النطاق وطرد وهروب الملايين، فضلاً عن تدمير مئات من القرى الفلسطينية.

فإن النكبة الحقيقية، تبتدئ من لحظة تفريط الأمة في مقومات قوتها وشموخها قبل أن تنتهي بإذلالها وتسلط الأعداء على رقابها، يقول الله تعالى: (وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) الحج.

وقال جل جلاله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) محمد/7.

وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث ابن عمر أنه قال: (بعثت بالسيف بين يدي الساعة حتى يعبد الله وحده لا شريك له، وجَعَلَ رزقي تحت ظل رمحي، وجَعَل الذِّلة والصَّغار على من خالف أمري، ومن تشبه بقوم فهو منهم) أخرجه الإمام أحمد وأبو داود.

فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن كل من خالف أمره فله نصيب من الذلة والصغار بحسب مخالفته ومعصيته، قال الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى في شرحه لهذا الحديث: “ومن أعظم ما حصل به الذُّل من مخالفة أمر الرسول صلى الله عليه وسلم: ترك ما كان عليه من جهاد أعداء الله، فمن سلك سبيل رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجهاد عَزَّ، ومن ترك الجهاد مع قدرته عليه ذَلَّ، وقد جاء في  الحديث: ( إذا تبايعتم بالعينة، واتبعتم أذناب البقر، وتركتم الجهاد في سبيل الله، سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه من رقابكم حتى تراجعوا دينكم ) .

فمن ترك ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من الجهاد مع قدرته واشتغل عنه بتحصيل الدنيا من وجوهها المباحة – حصل له الذل، فكيف إذا اشتغل عن الجهاد بجمع الدنيا من وجوهها المحرمة؟”.

وثبت عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه قولة مشهورة جاء فيها: (نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العزة من دونه أذلنا الله).

وثبت عن أبي الدرداء رضي الله عنه، أنه لما فتح المسلمون قبرص وبكى أهلها وأظهروا من الحزن والذل ما أظهروا، (جلس أبو الدرداء رضي الله عنه يبكي، فقال له جبير بن نفير: يا أبا الدرداء، ما يبكيك في يوم أعز الله فيه الإسلام وأهله؟ فقال رضي الله عنه: (ويحك يا جبير، ما أهون الخلق على الله عز وجل إذا أضاعوا أمره، بينما هي أمة قاهرة ظاهرة لهم الملك تركوا أمر الله فصاروا إلى ما ترى).


الخلفية التاريخية:

إذا، كثيرون يعتقدون أن النكبة حقبة تاريخية قصيرة مرَّ بها الشعب الفلسطيني إبان قيام دولة “إسرائيل”، مليئة بالألم والمعاناة والوحشية والتشرد.

ولكن الحقيقة غير ذلك تمامًا، فالحقيقة هي أن النكبة، بكل ما تحمل من معاني الكارثية والوحشية والمعاناة والعنصرية، لا تزال مستمرة حتى اليوم، بل وبشكل منهجي أعمق.

منذ النكبة عام 1948، وضعت القيادة الصهيونية خطة للسيطرة والتحكم في الشعوب المسلمة وإحباط قدرتها على الثورة، وتدمير أي فرصة للحلم بمستقبل أفضل مبني على الحرية والاستقلال والكرامة.

  • لمحة سريعة عن وعد بلفور (1917) وبدء الانتداب البريطاني.
  • دور الاستعمار البريطاني في تسهيل الاستيطان الصهيوني.
  • الصراع الفلسطيني الصهيوني قبيل 1948.
  • قرار التقسيم (1947) وما تبعه من مجازر.
  • إعلان قيام دولة إسرائيل يوم 14 ماي 1948، وتهجير أكثر من 700 ألف فلسطيني من قراهم ومدنهم.

دخلت بريطانيا فلسطين بعدما تلاقت مصالحها الاستعمارية مع الحركة الصهيونية، وأنهت بدخولها 400 عام من الحكم العثماني عقب معارك حامية دارت بين الطرفين داخل الأراضي الفلسطينية خلال الحرب العالمية الأولى عام 1917، ليبدأ بعدها تاريخ من الاضطهادات والتشريد والقمع بحق الفلسطينيين، مع تغيير ديمغرافية الأرض باستقطاب الهجرة اليهودية على مدار الانتداب حتى إعلان إنهائه عام 1948.

القرار البريطاني لا يختلف عن سياساتها وقت الانتداب بعد سلسلة قرارات وخطوات معادية أصدرتها تجاه فلسطين، بدأت قبل “وعد بلفور” عام 1917، الذي مهّد لتأسيس إسرائيل، مرورا بتسهيل عمليات الهجرة اليهودية، وطرد السكان وهدم القرى والمنازل وارتكاب المجازر حتى إعلان قيام إسرائيل رسميا عام 1948

ورغم أن الجمعية العامة للأمم المتحدة أصدرت في نوفمبر 1947 قرارا يقضي بتقسيم فلسطين إلى دولتين، عربية ويهودية، وذلك بموافقة 33 دولة ورفض 13، وامتناع عشر دول عن التصويت.

إلا أن كيان الاحتلال لم يكتف بالسيطرة على 54% من مساحة فلسطين تطبيقاً لقرار التقسيم إنما تعداه ليحتل أراضي فلسطينية أخرى لتصل المساحة الإجمالية للاحتلال مع الإعلان عن قيام الكيان الصهيوني إلى ما نسبته 78% من أرض فلسطين لتعود وتحتل ما تبقى من أرض فلسطين في 1967.

قرار الأمم المتحدة القاضي بإنشاء الكيان المؤقت يعتبر تصرفاً لا يقوم على أساس قانوني ولا أخلاقي حتى، من خلال:

– صدوره عن جهة تجاوزت صلاحياتها باتخاذه (الجمعية العامة).

– يتناقض مع حق تقرير المصير المبدأ المشهور نظرياً من مبادئ الأمم المتحدة

– عملية التصويت جرت ظل مناورات ومساومات وضغوطات لم يسبق للأمم المتحدة أن عرَفَتها.


آثار النكبة:

  • التهجير القسري وتحول الفلسطينيين إلى لاجئين في الدول المجاورة.
  • اغتصاب الأراضي وتدمير القرى الفلسطينية.
  • فقدان الهوية الوطنية والسياسية.
  • استمرار الاحتلال وممارسة سياسة التهويد والاستيطان.
  • المأساة الإنسانية المتواصلة: الحصار، القتل، الاعتقال، القصف… (ربط مع غزة اليوم).

النكبة والحاضر:

  • رغم مرور 77 سنة على النكبة، إلا أن آثارها مستمرة: في المخيمات، في الشتات، في مقاومة التطبيع.
  • نكبة اليوم تتجلى في حصار غزة، تهويد القدس، والاستيطان في الضفة الغربية.
  • من الواجب إبقاء القضية حيّة في الذاكرة، خاصة في ظل محاولات محوها أو تحريفها.
  • العمل على التوسع في المنطقة برمتها والتعبير عن ذلك صراحة من قبل زعماء الاحتلال الصهاينة المتطرفين.

الرسائل التربوية:

  • ضرورة تربية النشء على الوعي بالتاريخ، وربطهم بالقضايا العادلة.
  • النكبة درس في الهوية، والصمود، ورفض الظلم.
  • أهمية إحياء الذاكرة الجماعية، والوقوف مع المظلوم بغض النظر عن دينه أو عرقه.
  • التشجيع على النقاش المفتوح والحر حول القضية في الوسط التربوي، دون انغلاق أو تعصب.
  • إبراز دور المعلم كناقل للقيم، وليس فقط للمعرفة.

ٱلْمَسْجِدُ ٱلْأَقْصَىٰ أحد المساجد الثلاثة التي يشد المسلمون الرحال إليها، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أيضًا أول القبلتين في الإسلام. يقع داخل البلدة القديمة بالقدس الشریف، وهو كامل المنطقة المحاطة بالسور واسم لكل ما هو داخل سور المسجد الأقصى.

ذُكر المسجد الأقصى في القرآن الکریم: “سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِير” (الإسراء1).

يُقدّس اليهود أيضا المكان نفسه، ويطلقون على ساحات المسجد الأقصى اسمَ «جبل الهيكل» نسبة الى هيكل النبي سليمان، وتُحاول العديد من المنظمات اليهودية التذرع بهذه الحجة لبناء الهيكل حسب مُعتقدها.

البيت المُقَدَّس، وكلمة «المقدّس» تعني المبارك والمطهّر، بيت المَقْدِس، وهو الاسم الذي كان متعارفًا عليه قبل أن يُطلق عليه اسم «المسجد الأقصى» في القرآن الكريم، وهذا الاسم هو المستَخدَم في معظم أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، مثل ما قاله يوم الإسراء والمعراج: «ثم دخلت أنا وجبريل عليه السلام بيت المقدس فصلى كل واحد منا ركعتين.

وسُميَّ المسجد مسجد قبة الصخرة بهذا الاسم نسبةً إلى الصخرة المُشرفة التي عرج منها النبي محمد صلى الله عليه وسلم في رحلة الإسراء والمعراج.

أول ما تمثله القدس في حس المسلمين وفي وعيهم وفكرهم الديني أنها (القبلة الأولى)، التي ظل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأصحابه يتوجهون إليها في صلاتهم منذ فرضت الصلاة ليلة الإسراء والمعراج في السنة العاشرة للبعثة المحمدية، أي قبل الهجرة بثلاث سنوات، وظلوا يصلون إليها في مكة، وبعد هجرتهم إلى المدينة ستة عشر شهرا، حتى نزل القرآن يأمرهم بالتوجه إلى الكعبة، أو المسجد الحرام، كما قال تعالى: ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم فلا تخشوهم واخشوني ولأتم نعمتي عليكم ولعلكم تهتدون ” (البقرة: 150 ).

 وفي المدينة المنورة معلم أثري بارز يؤكد هذه القضية، وهو مسجد القبلتين، الذي صلى فيه المسلمون صلاة واحدة بعضها إلى القدس، وبعضها إلى مكة، وهو ما يزال قائما، وهو يزار إلى اليوم، ويصلَّى فيه.

وقد أثار اليهود في المدينة ضجة كبرى حول هذا التحول، ورد عليهم القرآن بأن الجهات كلها لله، وهو الذي يحدد أيها يكون القبلة لمن يصلي له: سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُل لِّلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ ۚ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (142) وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ۗ وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ ۚ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ۗ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ (143) قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ ۖ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا ۚ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ۚ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ۗ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (144).[ سورة البقرة ]

وثاني ما تمثله القدس في الوعي الإسلامي: أن الله تعالى جعلها منتهى رحلة الإسراء الأرضية، ومبتدأ رحلة المعراج السماوية.

فالمعركة- وإن كانت من أجل الأرض- لها بواعثها الدينية، وأهدافها الدينية. فكل معركة يدخلها المسلم للدفاع عن حق، أو لمقاومة باطل، أو لإقامة عدل، أو للثورة على ظلم، فهي معركة دينية، لأنها معركة في سبيل الله، قال تعالى: ﴿الَّذِين آمنوا يقَاتُِلونَ فِي سبِيلِ اللهِ والَّذِين كَفَروا يقَاتُِلونَ فِي سِيلِ الطَّاغوتِ﴾ (النساء: 76).

 والإسلام يوجب على المسلمين- بالتضامن- الدفاع عن أرض الإسلام، ويعتبر ذلك من أقدس أنواع الجهاد، كما يعد من ُقتِل في ذلك شهيدا من أعظم الشهداء، والجهاد- دفاعا عن الأرض- فرض عين على أهلها حتى تتحرر، وإذا لم يكف أهلها للدفاع عنها، وجب على من يجاورهم، حتى يشمل المسلمين كافة في النهاية، ولا يجيز شرع الإسلام للمسلمين أن يتنازلوا عن ذراع واحد من أرض الإسلام.

فإذا كانت أرض الإسلام هي أولى القبلتين، وثالث المسجدين المقدسين، كان الجهاد في سبيل تحريرها أوجب وأعظم وأشرف، وأعلى مكانا في دين الله، وإذا كان مغتصبوها يحاربوننا بدوافع دينية، وأحلام دينية، كان أوجب علينا أن نحارب بمثل ما يحاربوننا به، فإذا حاربونا بالتوراة حاربناهم بالقرآن، وإذا رجعوا إلى تعاليم التلمود رجعنا إلى البخاري ومسلم، وإذا قالوا: نعظِّم السبت، قلنا: نعظم الجمعة، وإذا قالوا: الهيكل، قلنا: الأقصى. وبالجملة إذا قاتلونا تحت راية اليهودية، قاتلناهم تحت راية الإسلام، وإذا جندوا جنودهم باسم موسى، جندنا جنودنا باسم موسى وعيسى ومحمد- عليهم الصلاة والسلام- فنحن أولى بموسى منهم.

لا يمكن تفسير قدرة القضية الفلسطينية على البقاء لولا أنها قضية عادلة ومتفوقة أخلاقيًا، وجامعة بحكم الأبعاد الإسلامية والتحررية والإنسانية، فمن دون هذه الأبعاد لا يمكن للقضية الفلسطينية أن تستمر.

في هذا السياق، ارتُكِبَت خطيئة أوسلو التي لم تؤد إلى حل فلسطيني، بل إلى وقوع الحركة الوطنية الفلسطينية في الفخ الذي نُصِب لها، ولا تزال لم تتخلص منه حتى الآن، وعندما حاول ياسر عرفات الخروج منه تمت محاصرته واغتياله، وإيجاد قيادة فلسطينية جديدة تحارب “الإرهاب”، وتشي برجال المقاومة للمحتل، كما لاحظنا في مواجهات طوفان الأقصى التي لاتزال مستمرة.

في هذا المدمار يؤكد الدكتور يوسف القرضاوي على أن القدس ليست للفلسطينيين وحدهم، وليست للعرب وحدهم، وإن كانوا أحق الأمة بالدفاع عنها، وإنما هي لكل مسلم أيا كان موقعه في مشرق الأرض أو مغربها، رجلاً أو امرأة، كلٌّ على قدر استطاعته.

إقرأ أيضا : مايكروسوفت الحليف الرقمي للابادة الصهيونية


الخاتمة:

  • التأكيد على أن النكبة ليست مجرد تاريخ، بل قضية مستمرة تتطلب الوعي والمواقف.
  • دعوة إلى جعل النكبة جزءًا من الذاكرة التربوية الحية.
  • تحية للشعب الفلسطيني الصامد، وتذكير بواجب التضامن الإنساني قبل كل شيء.

من التوصيات التي قدمها الشيخ يوسف القرضاوي أنه يجب رفض ما سمي ب”التطبيع” مع إسرائيل على كل صعيد، سياسيا، أو اقتصاديا، أو اجتماعيا، أو ثقافيا، فلا يجوز التبادل الدبلوماسي مع إسرائيل، ولا التعامل الاقتصادي مع إسرائيل، ولا فتح مكاتب لإسرائيل.

 ولا يحل لمسلم السفر إلى إسرائيل، ولو بدعوى الصلاة في “المسجد الأقصى”، فإنما يشد المسلم رحاله إلى هذا المسجد حينما يتحرر من سلطان اليهود..

يجب أن نرفض اختراق العقل العربي والإسلامي بأي صورة، وأن نقاوم غزو (الإسرائيليات الجديدة) لثقافتنا الإسلامية والعربية، وأن نتمسك بهويتنا خالصةً لا تشوبها شائبة.

أنقل لكم مرة أخرى كلمة الشيخ يوسف القرضاوي، أختم بها هذا الحديث عن النكبة قال “إنني أشفق على أبنائنا وشبابنا الذين حفَّظناهم أناشيد الجهاد، وأغاني العودة، وعلقنا قلوبهم وعيونهم بالمسجد الأقصى، وقبة الصخرة، ومسرى الرسول، وأولى القبلتين، وصببنا في عقولهم وضمائرهم ووجدانهم كراهية بني صهيون وظلم إسرائيل التي قامت على اغتصاب الأرض، وانتهاك العرض، وتشريد الأهل، فإذا بنا- ما بين عشية وضحاها- نشطب هذا كله، وننسخه بجرة قلم؛ ليصبح العدو صديقًا، والاغتصاب مشروعا، والعدوان مقبولاً، مع أن الوطن لم يتحرر، والمشرد لم يعد إلى أرضه؛ والأقصى لم يزل أسيرا، فكأننا نقول لهذا الجيل المسكين: لا تصدقونا فيما كنا نقول لكم، إن الذي كنا نسميه بالأمس جهادا وبطولة ونضالاً أصبح اليوم عنفًا وإرهابا، والذي كنا نسميه سفَّاحا غدا اليوم شريفًا.. لا يوجد شيء ثابت عندنا، كل ما كان حقًا يمكن أن يكون باطلاً.. افتحوا النوافذ لتهب عليكم نسمات إسرائيل، وافتحوا الأبواب لتدخل عليكم بضائع إسرائيل، وبنات إسرائيل أيضا، و”إيدز” إسرائيل!!

والحمد لله رب العالمين


بعض المراجع المعتمدة في إعداد هذه الورقة:

– دراسة نقدية في قراري الجمعية العامة للأمم المتحدة 181 و 194 المتعلقين بالقضية الفلسطينية.

(قدمت هذه الأطروحة استكمالا لمتطلبات درجة الماجستير في القانون العام بكلية الدراسات العليا في جامعة النجاح الوطنية في نابلس، فلسطين).

–         درس النكبة الثانية لماذا انهزمنا وكيف ننتصر للدكتور يوسف القرضاوي

–         القدس قضية كل مسلم للدكتور يوسف القرضاوي

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. هذا ما نحتاج تكراره على هذا الجيل كي لا ينسى ولا يتم خداعهم
    نفع الله بكم الإسلام والمسلمين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock