
رسمت الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة، صورة قاتمة على انتشار الفساد في المغرب، ما يعزز الشك في نتائج عشر سنوات من إطلاق الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، مع حديث الهيئة عن ضعف التفاعل الحكومي مع توصياتها.
قال محمد البشير الراشدي، رئيس الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، اليوم الثلاثاء 8 أكتوبر 2024، خلال تقديمه للتقرير السنوي لهيئته خلال 2023، إن المغرب لم يحسن وضعه في مؤشرات محاربة الفساد وتقدم بنقطة واحدة خلال عشرين سنة.
وسجل الراشدي، تراجعا في ثلاث مؤشرات وسجل نتائج سلبية في ثلاث أخرى، في الوقت الذي كان يخطط لتحسين وضعه في كل المؤشرات، كما أكد على ضعف التبليغ عن حالات الفساد، وعدم عقد الحكومة لاجتماع لجنة مكافحة الفساد، والتي لم تجتمع إلا مرتين في عشر سنوات.
وأوضح أن الفساد يكلف الاقتصاد المغربي حوالي 50 مليار درهم سنويا، فيما أظهرت المعطيات أن 23 بالمائة من المقاولات المغربية تعرضت لأفعال فساد خلال العام الماضي.
وأفاد الراشدي أن الفساد له انعكاسات خطيرة على التنمية الاقتصادية والاجتماعية، إذ يؤدي إلى سوء استخدام السلطة ويحد من الإنتاجية، كما أكد أن تراجع المغرب بنقطة واحدة في مؤشر الفساد يمكن أن يقلص مداخيل الدولة بنسبة 7.8 في المائة، وعلى الصعيد الوطني، يقدر أن الفساد يكلف المغرب ما بين 3.5 بالمائة و6 في المائة من الناتج الداخلي الخام، وهو ما يعادل أكثر من 50 مليار درهم سنويا.
على المستوى العالمي، كشف الراشدي أن الفساد يكلف الاقتصاد العالمي نحو 2000 مليار دولار سنوياً، ما يمثل حوالي 4 بالمائة من الناتج الداخلي الإجمالي العالمي.
وفيما يخص المناخ الاقتصادي، أشار التقرير إلى أن الفساد يحتل المرتبة الثامنة ضمن اهتمامات المقاولات المغربية، حيث أفادت 68 في المائة من المقاولات بأن الفساد منتشر بشكل واسع في المغرب، بينما صرحت 23 بالمائة منها بتعرضها لأفعال فساد للحصول على خدمات أساسية.
ورصد يعاني قطاع الصفقات العمومية والتراخيص بشكل خاص من انتشار الفساد، مما يزيد من تعقيد مناخ الأعمال.
ولم تحقق الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد النتائج المرجوة، حيث سجلت تقدما بنقطة واحدة فقط على مؤشر إدراك الفساد، فيما كان الهدف رفع الترتيب بـ 23 نقطة.
وأوضح الراشدي أن الاستراتيجية تعاني من نواقص، من بينها ضعف تغطية بعض المواضيع الأساسية والتفاعل المحدود من الجهات المعنية مع توصيات الهيئة.
وفيما يتعلق بالإصلاحات، أشار الراشدي إلى بعض التقدم في مجالات التصريح بالممتلكات وحماية المبلغين عن الفساد، مشددا على ضرورة إدخال تعديلات جوهرية لتعزيز فعالية هذه المشاريع. وأضاف أن محاربة الفساد تتطلب تعاونا شاملا بين جميع الفاعلين، بما فيهم القطاع الخاص، مؤكداً على وعي الهيئة بمسؤولياتها واستعدادها للانتقال إلى مرحلة جديدة من العمل الفعال ضد الفساد.
وأضاف الراشدي أن وضعية المغرب في مجال محاربة الفساد غير مرضية، على الرغم من وجود مخططات حكومية واستراتيجية وطنية لمحاربة الفساد أطلقت قبل ما يقارب العشر سنوات، وتشريعات، ما جعل هيئته تشتغل على تقييم السياسات العمومية في هذا المجال، وخاصة الاستراتيجية الوطنية.
وأوضح الراشدي إن اللجنة الوطنية لمحاربة الفساد لم تجتمع سوى مرتين في عشر سنوات، في الوقت الذي ينص القانون على ضرورة اجتماعها مرتين كل سنة.
إقرأ أيضا : الجفاف واللايقين يدفعان بنك المغرب للحافظ على سعر الفائدة
وأشار إلى تعثر اجتماعها خلال السنة الأخيرة بعد دخول القانون المنظم لهيئته حيز التنفيذ، وذلك لأسباب قال إنها متعددة لم يفصح عن طبيعتها.
واعتبر الراشدي، أمام هذا التشخيص لوضعية الفساد وطنيا، أن الإنجازات المسجلة في مجال محاربة الفساد إيجابية، إلا أنها لا تصل إلى مستوى إحداث الأثر، كما أنه آخذ على الحكومة، عدم التطرق لمحاربة الفساد في الحياة السياسية والانتخابية، ضمن الاستراتيجية الوطنية.
وآخذ الراشدي، على عدم التفاعل مع توصيات هيئته الواردة في تقاريرها السابقة، أو حديثه عن تجاوب نسبي خلال السنة الأخيرة مقارنة مع السنوات التي سبقتها.
وتطرق إلى ما وصفه بتفاعل إيجابي من الحكومة مع توصيات هيئته السابقة بخصوص مشاريع القوانين المتعلقة بحماية الموظفين المبلغين على الفساد وتضارب المصالح، عل الرغم من استمرار وجود نواقص في النصوص التشريعية.
وعن عمل الهيئة، يقول الراشدي إنها خلال السنة التي شملها التقرير لم تتوصل سوى بـ 85 شكاية وتبليغ، 85 بالمائة منها لم تستوفي الشروط أو لا تدخل ضمن مهام الهيئة، ما بات يستدعي حسب قوله ضرورة مواكبة المبلغين لتكون عندهم أسس تقديم الشكايات والتبليغات.



